حزب العدالة والتنمية


حزب العدالة والتنمية

تأسّس حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان في 14 أوت  2001[15]. وجرى إشهار الأعضاء المؤسّسين الذين كانوا 74 شخصًا، ليس من بينهم أحد من أعضاء البرلمان في حزب الفضيلة[16]. وعن الظروف التي أدّت إلى نشأة الحزب، يقول يشار ياقيش، نائب رئيس الحزب للشؤون الخارجية : « الفهم الأعمق لصعودنا في الحياة السياسية التركيّة يستلزم النظر في كيفية تشكيل الحزب. لقد كان معظم مؤسّسي الحزب أعضاءً في حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان، وقد حاولوا كإصلاحيين، ومنهم عبد الله جول، وبولنت أرنج، ورجب طيب أردوغان، تغيير أسلوب أربكان وسياساته، وأبدوْا رفضهم لممارساته، خاصّةً بناء كلّ موقف على أساسٍ ديني، فنحن في بلدٍ علماني ومثل هذه الممارسات غير مقبولة

وعندما حُلّ حزب ‘الرفاه’، ظلّ المحافظون بزعامة أربكان، و الإصلاحيّون الذين كان يقودهم عبد الله جول، في حزب ‘الفضيلة’ إلى أنْ حُلٌ هو الآخر بقرارٍ من المحكمة الدستورية. عندئذ كان لابدّ من الانقسام: أنصار أربكان شكّلوا حزب السّعادة بزعامة رجائي قوطان، و الإصلاحيّون شكّلوا حزب العدالة والتنمية. فلقد وجدوا أنفسهم في مفترق الطرق، والحياة السياسية قد تغيرت، فقرّروا الانقطاع عن الماضي ممثّلاً في ‘الرفاه’ و ‘الفضيلة’. لكن هذا لا يعني إنكار الماضي أو الهويّة التركية »

ويضيف ياقيش : « قبل أنْ يطرح والإصلاحين برنامجهم السياسي أجروْا استطلاعات عدّة للرأي. سألوا الناس: ما هي أوْلويّاتكم؟ ما هي طبيعة الحزب الذي تقبلونه؟ سألوا حتى عن الاسم المناسب والشّعار المناسب. من هنا جاء نجاحه. وقد تولّى أردوغان رئاسة الحزب، فأضاف إليه الكثير؛ لأنه كان رئيسًا ناجحًا لبلدية إسطنبول. إن الخلافات مع أربكان والمحافظين التي قادت إلى تشكيل حزب العدالة والتنمية سببها الابتعاد من جانب أربكان عن العلمانية التي تحكم نظامنا، ونحن لا نريد حكومة على أساس ديني كما يرغب حزب ‘السعادة’. حزبنا جديد تمامًا، ليس له ارتباطات بالماضي، لكنه يراعي الحساسيات في بلد99% من سكّانه مسلمون، والكثيرون من أبنائه محافظون، ولهم ثقافتهم الإسلامية، وليس من سبيل لإنكار ذلك »[17

أعاد حزب العدالة والتنمية تعريف هويّته الفكرية والسياسية، بما ينسجم مع واقع الدولة التركيّة الداخلي وعلاقاتها الخارجية[18]. فهو لا يُعرّف بنفسه حزباً إسلامياً، بل يبتعد عن كلّ ما يُفهم منه أنّ للحزب برنامجا إسلاميا[19]. واعترف بالعلمانية أو « النّظام العلماني » كشرط مسبق أساسي للديمقراطية والحرّية، وعرّف العلمانيّة على أنها « حيادية الدولة تجاه أيّ شكلٍ من أشكال المعتقد الديني والقناعة الفلسفية »[20]. وعلى هذا الأساس صنّف قادة الحزب هويّته الفكرية والسياسية بأنه من تيّار يمين الوسط، على غرار الأحزاب الأوروبية المحافظة[21

أمّا عن طبيعة الحزب التكوينية، فقد انضمّ إليه أعضاء وبرلمانيو أحزاب يمين الوسط، مثل حزب « الوطن الأم » وحزب « الطريق القويم »، وشرائح من التكنوقراط وخرّيجي الجامعات والبيروقراطيّين والمهنيّين الذين عملوا في البلديات التي سيطر عليها الإسلاميّون في مراحل سابقة، إضافةً إلى البرجوازية الوسطى والصغيرة سواء في إسطنبول والمدن الكبرى، أو في الأناضول حيث القاعدة الأساسيّة للإسلاميّين[22]. كما انضمّ إليه أيضًا عددٌ من الممثّلين والفنّانين والصحافيّين والأدباء

وهنا يبدو لنا حزب « العدالة والتنمية » تعبيراً عن تركيبة سياسية واجتماعيّة جديدة: فلا هي علمانية تمثّل يمين الوسط التركي كالطريق المستقيم والوطن الأم؛ ولا هي كماليّة بالمعنى الذي يعبّر عنه يسار الوسط التركي كحزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديمقراطي؛ ولا هي إسلاميّة بالمعنى الذي عبّر عنه حزب الرفاه؛ ولكنها تعبير عن الإسلامية واليسارية واليمينية في صيغةٍ جديدة[24

وقد تبنى مؤسّسوه ما أطلق عليه تسمية « الديمقراطية المحافظة »، وهي نظام سياسي واجتماعي توفيقي، تنسجم فيه الحداثة مع التّراث من جانب، والقيم الإنسانية مع العقلانية من جانبٍ آخر. فهي لا تقبل الجديد ولا ترفض القديم، وتحترم الآخر وتؤمن بخصوصية الذات؛ وترفض الخطاب السياسي القائم على الثنائيات التي تفرض رؤية سياسيّة أو عرقيّة أو أيديولوجية أو دينيّة واحدة تلغي ما سواها؛ وتؤكّد أنّ دور الدولة يجب أن يتوقّف  عند تسيير الأمور من خلال الحدّ من التّناقض عبْر التوفيق بين مختلف الاتجاهات  وتحقيق التفاعل الإيجابي في المجتمع بما يساهم في إيجاد بيئةٍ يتعايش فيها الجميع دون استقطاب أو استئثار[25

أمّا شعار الحزب، فهو عبارة عن مصباح كهربائي، ألوانه الرسميّة الأصفر والأسود والبرتقالي. وقد أعطى له أنصاره اسم « أكبارتي » وتعني باللغة التركية « الحزب الأبيض » رمزًا للبراءة والنّقاء[26

أمّا برنامجُ الحزب، فقد صيغ بناء على نتائج استطلاعات رأي واسعة أُجريت  للتعرّف على احتياجات الناس ومطالبهم وتوقّعاتهم من الحزب. وتقوم فكرة البرنامج على أنّ مشكلات تركيا ليست مستعصية، لأنّ تركيا غنية بالموارد الطبيعية فوق الأرض وتحتها، وشعبها يتميز بالشّباب والنشاط، ولديها تراث حكمٍ عميق الجذور وشديد الغنى، وموقع جيو-استراتيجي يمكن أن يساعدها على أن تلعب دورًا مؤثّرًا في بيئتها الإقليمية، وفرصاً سياحية مستمدّة من التاريخ والجغرافيا، وشخصيّة وطنية قائمة على التديّن والتّضامن، وسجلّ من الإنجازات

وقد حظي هذا البرنامج بقبول شعبي كبير عبّرت عنه نتائج الانتخابات النيابيّة التي جرت في العام 2002[27

وحدّد برنامج الحزب أهدافه الداخلية بما يلي

تحقيق السيادة- من دون أيّ قيدٍ أو شرط- للشّعب التركي في الجمهورية القانونية (الدولة الدستورية) التي تمثّل القوّة التي تراعي مصالح الفرد والمؤسّسات معًا

الحفاظ على وحدة الدولة التركية

الحفاظ على القيم والأخلاق التي تعدّ بمنزلة التّراث للشّعب التركي

تحقيق الحضارة والمدنية المعاصرة في تركيا وفقًا للطريق الذي رسمه مصطفى كمال أتاتورك

تأمين الرّفاه والأمن والاستقرار للشعب التركي

تحقيق مفهوم الدولة الاجتماعية التي تتيح للأفراد العيش بالشكل الاجتماعي المطلوب

تحقيق العدالة بين الأتراك والتوزيع العادل للدّخل القومي

ويعرض البرنامج وسائل تحقيق تلك الأهداف على النّحو الآتي

نشْر الوعي القائم على الحقوق المتعارَف عليها دوليا، والحرّيات، وسيادة القانون في جميع أنحاء تركيا

استئصال مشكلات تركيا المستعصية بتعبئة الموارد الإنسانية والطبيعية المهملة، وجعْلها دولة منتجة باستمرار وتنمو بالإنتاج

خفض معدّل البطالة، وردْم الهوّة في توزيع الدّخل بما يزيد من مستوى الرّفاه

اتّباع سياسات تهدف إلى تحقيق الكفاءة والفاعلية في الإدارة العامّة، وإشراك المواطنين والمنظّمات المدنية في عمليّة صنع القرار

تحقيق الشّفافيّة الكاملة والمحاسبة في كلّ جانبٍ من جوانب الحياة العامّة

اتّباع سياسات عمليّة معاصرة رشيدة، لإفادة الأمّة في مجالات الاقتصاد، والسّياسة الخارجية، والثقافة، والفنون، والتعليم، والصحّة، والزّراعة، والثروة الحيوانية

28

وممّا جاء من مبادئ للحزب في لائحته الداخلية، أنه يحترم حقوق المواطنين كافّةً، ولا يفرق بين أبناء الشعب على أساس الدين أو المذهب أو العرق، ويرفض أنواع التفرقة والنزعات القومية أو الدينية كافة؛ ويعمل على تحقيق الديمقراطية بالمفهوم الكامل، وحماية الحريات والحقوق الأساسية لإتاحة الفرصة لسيادة الإرادة الوطنية؛ ويؤمن بضرورة نيْل النساء لحقوقهنّ السياسيّة؛ وإتاحة الفرصة كاملة لحريّة الفرد والتعبير عن آرائه بشكل مطلق بما يتّسق مع القانون؛ وضرورة منح المؤسّسات المدنية الحقوق والحريات والصلاحيات اللاّزمة لها. كما يؤمن بضرورة إقامة القواعد اللازمة لخدمة اقتصاد السوق، وحماية البنية الأساسية للاقتصاد، وإزالة انعدام التوازن في توزيع الدّخل القومي

ويؤكّد الحزب أنّ أيّ نظام ديمقراطي لا يمكن أنْ يعيش في مجتمعٍ لا يسوده القانون، والديمقراطية تؤكّد وجودها من خلال القانون، ولا بدّ أنْ يسود مفهوم دولة القانون بدلاً من قانون الدولة. ويتعهّد الحزب بأنه سيضمن خلق أعلى درجات الثقة في النظام القضائي الذي يعدّ ضمانًا للنظام الاجتماعي. كما يتعهّد بالإعداد لدستورٍ جديد يسمح بحريّات تُعدّ استجابةً لحاجات المجتمع بأكمله بما يتّسق مع مبدأ دولة القانون ومعايير الدول الديمقراطية. ويرى الحزب في الديمقراطيّة نظامًا مبنيًّا على التّسامح، وفي الديمقراطيات ليس من الممكن لبعض المواطنين الاستفادة من حقوقٍ وحرّيات ومزايا أكثر من غيرهم، فالكلّ تحت حماية القوانين في هذه الديمقراطيات[29

ويبقى الشيء المهم في البرنامج السياسي لحزب العدالة والتنمية، هو ابتعاده عن سياسات الهويّة والتزامه بسياسات الخدمات؛ بمعنى أنه فكّك تقيّد البرامج الإسلامية السابقة وغرقها في مسائل الهويّة والثقافة، ونقلَها إلى مسائل السياسات الاجتماعية والخدماتية والاقتصادية. وقد أتاح له هذا الموقف الانتقال من الانشغال والانغماس بقضايا الهوية إلى الانخراط في قضايا الخدمات؛ ممّا جذب شرائحَ واسعة من الأنصار الجدد الذين صاروا يروْن في الحزب جهة تستطيع تغيير الأمور نحو الأفضل[30]. فنجاحه في الانتخابات البرلمانية في دورتين متتاليتين دليلٌ على نجاعة برنامجه السياسي

————————-

[15] راغب دوران، « أسباب صعود النموذج التركي »، في: تركي الدخيل، ص121

[16] ياسر أحمد حسن، مرجع سبق ذكره، ص 195

[17] عبد الحليم غزالي، الإسلاميون الجدد والعلمانية الأصولية في تركيا: ظلال الثورة الصامتة، (مكتبة الشروق الدولية،2007)، ص 25-26

[18] عمرو الشوبكي، مرجع سبق ذكره، ص 91

[19] خالد الحروب، » تركيا: إسلامية/ علمانية » وجهات نظر، العدد 117، (أكتوبر 2008)،

[20] جراهام فولر، « الجمهورية التركية الجديدة: تركيا كدولة محورية في العالم الإسلامي » دراسات مترجمة،رقم36، (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،، 2009) ص

[21] الشوبكي، ص 91

[22] الحروب، ص 6

[23] الشوبكي، ص 95

[24] كمال حبيب، الدين والدولة في تركيا المعاصرة: صراع الإسلام والعلمانية، (القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2010)، ص 360

[25] كمال حبيب، « الإسلاميون الأتراك: من الهامش إلى المركز »، في: عبد العاطي، ص 116

[26] راغب دوران، ص 121

[27] الموقع الرسمي لحزب العدالة و التنمية http:/ / eng.akparti.org.tr/ english/ partyprogramme.html

[28] غزالي، ص 26،27

[29] المرجع نفسه، ص 27- 29

Publié le 14 novembre 2011, dans مقالات. Bookmarquez ce permalien. Poster un commentaire.

Laisser un commentaire